إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا
شرح نظم البرهانية
69598 مشاهدة
ولاء الموالاة

وأما ولاء الموالاة.. فقد كان يورث به، ونسخ ذلك؛ ولاء الموالاة، ويسمى الحلف. كان الرجل يأتي وهو أجنبي فينضم إلى قبيلة ويقول: أنا منكم، أنا كأحدكم. ويوالونه ويتولونه فينتسب إليهم ويصبح منهم. نزل في ذلك قول الله تعالى: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ يعني: كانوا يتعاقدون، ويحلف بعضهم لبعض ويمسكون بالأيمان: أني منكم، وأني من أفرادكم، وأني أخ لكم، أقاتل معكم، وأنصركم وتنصروني؛ ولو أنه من قبيلة بعيدة. ففي هذه الحال كانوا يتوارثون بهذه الآية: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ يعني: نصيبهم من الإرث؛ ولكن جاء بعد ذلك ما نسخه وهو قوله تعالى: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ .
فنسخ الإرث بالموالاة التي هي الحِلف، وجاء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا حِلف في الإسلام، وأي حلف أدركه الإسلام لم يزده إلا شدة تجدون في تراجم بعض الرواة أو بعض الصحابة: فلان بن فلان حليف الجمحيين، وفلان حليف بني زهرة، فلان بن فلان حليف بني يربوع. يعني: أنه مولاهم، أنه قريبهم بالمحالفة. أصبح الإسلام جمع بين المسلمين، وجعلهم كلهم إخوة؛ فلا حاجة إلى هذه المحالفة التي يكون بها النصرة.
كذلك أيضًا لما هاجر الصحابة إلى المدينة آخى بينهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين الأنصار، كل واحد من المهاجرين عقد بينه وبين واحد من الأنصار أخوة؛ تسمى الموآخاة، وكانوا يتوارثون بذلك، ثم بعد ذلك نسخ بهذه الآية وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ كذلك كان هناك -أيضًا- ولاء بالإسلام. الكافر -مثلًا- إذا أسلم على يدك فإنك تتولاه، وينتسب إلى قبيلتك، وكذلك أولاده وأولاد أولاده؛ ولكن هذا -أيضًا- لا يحصل به التوارث. تجدون في نسب البخاري محمد بن إسماعيل الجعفي ليس هو جعفيًا بالنسب؛ ولكن جده أو جد أبيه أسلم على يد رجل جعفي من قبيلة من العرب يقال لهم: بنو جعف، فيسمى الجعفي البخاري بالولاء؛ ولكن هذا الولاء -أيضًا- لا يحصل به التوارث.